عاديت على عبد الغنى الصبح زى كل يوم أجازة. كنا متفقين من بليل إننا هنروح بكرة الصبح المظاهرة إللى عند نقابة المحامين لأن دايماً بيكون فى مظاهرات هناك لو فى تخطيط لأى حاجة. المهم، ركنا بمنتهى السلاسة عند دار القضاء العالى و نزلنا نتمشى حتة صغيرة جداً لقينا 100 شخص مثلاً بيهتفوا من غير أعلام و لا يفط و لا حاجة
هتاف بس
هتاف عالى... قوى
تغيير... حرية... عدالة اجتماعية
حرية... حرية... حرية
بقينا كتير، 300 مثلاً و بدأنا نتحرك و نوقف شارع رمسيس و نكمل و نكمل لحد النقابة... قابلنا ناس هنال بقينا أكتر
مشينا شارع رمسيس فى اتجاه التحرير و قابلنا 4 أصحابنا و أبو عبد الغنى بحكم إنه محامى و نشط سياسى كان واقف هناك
قعدنا نمشى و الهتاف بيعلى
أبو عبد الغنى كان خايف علينا أوى و بيقلنا نعمل أيه واحدة واحدة و فضل ماشى ورانا بس مفيش اشتباكات حصلت
بنقرب للتحرير
الهتاف بيعلى
بقينا 6000 مثلاً
و ناس عادية من الشارع بتنضم لينا
كوردون أمنى
قلعت النضارة الشمس بتاعتى... مفيش داعى تتكسر
مسكت أيد عبد الغنى و عمر و مصطفى
غمضت عينى و دخلت فى أول كوردون
فتحت لقيتنى حتة واحدة و سليمة و لسة ماسكة فيهم
كوردون كمان بس محدش كان ماسك فى أيدى الشمال و العسكرى كان نازل يضرب مش عارفة أزاى بحجمى ده قدرت أزق العسكرى قبل مايضرب و وقعته علشان كان على طرف الكوردون و مش ماسك فى حد هو كمان
اتعورت أه... بس وقعت العسكرى فعلاً
أنا مكنتش مصدقة و لا حد مننا مصدق
مش هتصدقوا لما أقولكم إننى كنا أول ناس نخش الميدان، صح؟
بس ده إللى حصل فعلاً. أحنا لخمسة كنا فى أول صف دخل الميدان و جرينا فى الميدان كله و أحنا فاتحين دراعتنا و مش مصداقين إننا كسرنا كل الكوردونات ديه
اعجبنا أوى بقى بنفسنا، ماحنا كتير و جامدين فشخ اهه و كسرنا كل الكوردونات لحد التحرير... سمعنا هتاف من بعيد بيقول "مجلس الشعب" يلا بينا
مشينا شوية
وصلنا القصر العينى و ناس تانية لسة فى التحرير... أول مادخلنا فى كوردون أمنى قفل علينا و فصلنا عن بقية الناس كنا 1000 واحد مثلاً و محبوسين فى دايرة من عساكر الأمن المركزى مش مزنوقة و لا حاجة هى بس فيها أحساس مش مريح خالص
صمت بشع و بدأت أحس بقد أيه أنا تعبانة من المشية الطويلة ديه و بدأت أحس بريقى ناشف من الهتاف و هاموت من العطش
صمت
أبو عبد الغنى قرب مننا و قالنا "لو حصل حاجة أجروا على بيت جهاد" إللى هو بيت أخت عبد الغنى و قريب من القصر العينى جداً محدش أعار موضوع "لو حصل حاجة" ده أى انتباه، هيحصل أيه يعنى ما أحنا مع بعض أهه و كتير و العساكر مضرابتش من الأول يبقى أكيد مش هيضربونا دلوقتى. المهم، بصيت فوقى لاقيت ست و اقفة فى بلاكونة بيتهم و خايفة تطلع بالكامل، بترمى نظرات صغيرة و تختفى تانى. قعدت أشاورلها علشان ترميلى مياه من فوق.. كانت خايفة حتى تكلمنى. صعبت عليها بعد نص ساعة مثلاً و جابت أزازة بلاستيك فيها مياه و حدفتهالنا تحت. فرحنا قوى بيها و شكرناها و كدة. المياه كفيت ال1000 بنى آدم كلهم، مش عارفة إزاى. كلنا شربنا
شوية كدة لاقينا ناس لابسة مدنى بتقرب علينا، فرحنا أوى دول أكيد من الناس إللى كانت معانا فى الميدان و جايين ينضموا لينا قعدنا نهتف و نرحب بيهم و أول ما قربوا مننا الكوردون الأمنى فتحلهم و سابهم يعدوا
أنا واقف مكانى
جانبى عبد الغنى و ساكتين
فاجأة الضرب بدأ
مش ضرب، عكش.
كل واحد من الناس إللى الكوردون دخلهم دول مسك و احد من إللى واقفين معانا و بدأ عجن فيه. عجن. شلاليت و ضرب و سحل و أهانة .... و أنا واقفة مكانى كأن ده مش ممكن يحصللى، كأن ده بيحصل فى تليفزيون مش فى الحقيقة كأنى مش هنا
عبدالغنى قرب منى و مسك أيدى و كل الناس حولينا يإما بيجروا يإما بيتفشخوا ضرب يإمابيقولولنا نجرى
أنا لوح خشب مش عارفة أجرى ولا أعمل حاجة. أنا وافقة مكانى و عبد الغنى جنبى
الكلام ده استمر دقيقة كاملة أنا مش فاهمة فيها إللى بيحصل
فاجأة واحد بيجرى من جنبنا بسرعة قال لعبد الغنى"خدها و أجرى بسرعة.... بسرعة" بصينا قدامنا لاقينا واحد بيقرب مننا و أدركنا ممكن يعمل فينا إيه لو اتمسكنا، بصينا لبعض و جرينا، أنا كنت سامعة قلبى بيدق
جرينا فى الشوارع الجانبية ناحية شارع سعد زغلول المخبر (إللى أدركت و أنا بجرى أنه مخبر) لسة بيجرى ورانا دخلنا نستخبى فى عمارة من العمارات إللى لاقيناها و بنخبط على كل باب فيها "عايزين مياة" و الناس مش بتفتحلنا لحد ما وصلنا لآخر دور و قعدنا على السلالم و كنا حوالى 11 شخص معرفش منهم غير عبد الغنى و مصطفى
المخبر ماطلعش ورانا و أحنا مش عارفين إذا كان ماشفناش و لا فقد الأمل ولا إيه إللى مستانينا تحت
ما أحنا مش هنفضل طول عمرنا فى عمارة ناس منعرفهاش و لازم ننزل
تليفون عبد الغنى رن، أبوه بيكلمه قاله" أنزل من العمارة أنت و....(مش عايز يقول صاحبتك)... أنت و.... خطيبتك و أعملوا نفسكم مالكمش فى حاجة و أجروا ناحية المترو" قفل معاه و بدأنا ننزل من العمارة لحد ما وصلنا الدور الأرضى... لاقينا أبو عبد الغنى واقف و معاه المخبر و قاعدين بيحكوا هما الأتنين ولا على بالهم وقفنا للحظة علشان خفنا من المخبر فى اللحظة ديه عرف إن أحنا خايفين منه و بالتالى أحنا كنا فى المظاهرة و مستهدفين. للحظة إللى وقفنا فيها ديه دمرت خطة النزول مع بعض كأننا مالناش فى حاجة اول ماترددنا قام المخبر رامى السيجارة إللى موالعها و بصلنا قام أبو عبد الغنى مسك المخبر بالحضن و المخبر يبفلفص منه و هو بيحاول يمسكه تانى لغاية ما أحنا نعدى قام عبد الغنى شاددنى من أيدى و جرينا من مدخل العمارة و ورانا نزل باقية الناس إللى كانت مستخبية معانا و سيبنا أبو عبد الغنى معاه و مش عارفين إيه إللى ممكن يحصله
جرينا لحد محطة المترو بتاعة سعد زغلول
على مدخلها قابلنا 3 ضباط واقفين بيشربوا سجاير
توعدنالهم و قلنا كلام كتير زى "بكرة تشوفوا...هنقوم عليكم ناكلكم" "أنتو جبناء و خايفين مننا...لازم تخافوا منن" "أحنا كتير أوى أنهاردة و مش خايفين منكم" "أنتو أكيد خايفين و أحنا عارفين" يا جبناء" و محدش فيهم رد علينا و كملنا على المترو منعرفش منين جبنا الشجاعة و الكلام الكبير ده خصوصاً إن أحنا لسة مهددين المخبر إياه يمسكنا و يضربنا و مش بعيد أبداً يموتنا مكاننا و أحنا أصلاً مش متأكدين أذا إللى حصلنا فى القصر العينى ده حصل فى ميدان التحرير برضه و عرفوا يفرقونا ولا لأ
ركبنا المترو و قلنا هنرجع الميدان نشوف فيه أيه و أحنا فى المترو مصطفى صاحبنا بدأ يزعق فى الناس و يشخط فيهم و يقولهم"قوموا شاركوا، العدد أنهاردة كبير، حرام عليكم، أتحركوا" و بص لست قاعدة فى المترو و معاها ابنها و قالها "أبنك ده ممكن يكون خالد سعيد
بكرة" طبعاً بالنسبة للناس كنا مجانين. صعبنا عليهم و فى راجل سامعنا معاه موز قام إدانا كل واحد موزة و قالنا "أنا هاجى معاكم" نزلنا محطة السادات و أول ماطلعنا كانت الناس مالية الميدان - أصل المعايير كانت مختلفة - وقتها الناس مالية الميدان يعنى فى 10ألف واحد فى الميدان مثلاً الساعة كانت 4 العصر. وقفنا وقابلنا ناس و أتكلمنا و هتافاتنا كانت حاجات زى أول اليوم كدة و مخرجتش عن نطاق الحرية و العدالة الاجتماعية قابلت ناس كتير أوى من مختلف دوائر معارفى و شخصيات عامة كتير و ماكنتش جعانة ولا عطشانة. أنا بس ماكنتش فاهمة يعنى أيه فى ناس محتليين ميدان التحرير. و سمعت ست كبيرة شوية بتقول "أحنا لو قاعدنا هنا و قلبناها اعتصام هيعملولنا إللى أحنا عايزينه... بس لازم نكملل مش زى ماحصل فى 1977" واضح إنها كانت قيادة طلابية فى السبعينات... مشيت شوية و قابلت ناس أكتر ولاحظت إن كل ما كان سن الناس إللى بقابلها أكبر كل ما كان فى ابتسامة معينة على وشهم أوضح كأنهم عارفين حاجة أحنا العيال مش عارفينها... كل ده و الهتافات هى هى.... فى ريحة غريبة و مياة بتترش بس كل ده مش مقصر فى حد
المغرب دخل
أنا ماكنتش أعرف يعنى أيه قنابل مسيلة للدموع. يعنى عينى هتنزل دموع شوية و خلاص؟ مقدور عليها يعنى...؟ ماشى
أول ما قلبت بليل شوية......سيل من القنابل المسيلة للدموع... جبت شال و لفيته حوالين وشى و كنت عارفة أتعامل يعنى (طبعاً عرفت يعنى إيه قنابل مسيلو للدموع يوم 28 يناير) المهم الساعة 7 بليل
شماريخ من بتاعة الإستاد و 70 ألف بنى آدم
و دبدبة بال140 ألف رجل على أرض ميدان التحرير
الشعب يريد إسقاط النظام
الشعب يريد إسقاط النظام
الشعب يريد إسقاط النظام
الشعب يريد إسقاط النظام
صوتى راح
و صوتنا كلنا مارحش
و أكيد ماحدش هيصدق لما أقوله أنا كنت فى أول الصف إنهاردة الصبح
......مش مهم.....
إحنا نفسنا مش مصدقين